الوحشية و انعدام الضمير العالمي في مصر
تقييم للدكتور رمضان غوزان العضو التدريسي في قسم العلاقات الدولية في جامعة يلدرم بيازيد
ان ما حصل يوم الرابع عشر من آب / أغسطس و الأيام التي تلته، لا يعتبر لطخة سوداء في تاريخ مصر فحسب، بل في تاريخ العالم و الإنسانية برمتها. إذ قامت قوات السيسي الانقلابية بإطلاق النار بالدبابات و الأسلحة على المتظاهرين المدنيين المناهضين للانقلاب. و قتل جراء ذلك الآلاف بينهم الأطفال و المسنين و النساء والإعلاميين. و وفقا لمصادر الانقلاب فان العدد لم يتجاوز الثلاثمئة، بينما تفيد مصادر الإخوان المسلمين ان العدد فاق الألفين وان هناك الآلاف من المصابين. فالناس لم يقتلوا ضربا بالرصاص أو حرقا في الشوارع فقط، بل في الجوامع التي يلجأون إليها. و يواصل الانقلابيون في اقتراف مجزرة نادرة لم يشهدها العالم من قبل. ان بث القنوات التلفزيونية العالمية الأحداث بصورة حية أمام الضمير العالمي يعتبر الجانب المؤلم لهذه الأحداث. فمشاهد المجزرة الشنيعة أدخلت الحزن في قلب كل انسان يمتلك ضميرا. إلا ان المجتمع الدولي لم يتخذ أي إجراءات لوقف هذه المجزرة. بل قام اللاعبون الذين يدافعون عن القيم الإنسانية و الاتفاقيات و المؤسسات المعنية بحياة الإنسان و حقوقه و مئات من منظمات حقوق الإنسان بمشاهدة ما يحصل بصمت تام.
هذه الصورة، كانت اختبارا جادا لعالم الإنسانية العالمي التي نفتخر بتحضرها في القرن الحادي و العشرين. ومع الأسف، لم ينجح اللاعبون الذي يفتخرون بوصف أنفسهم بأنهم متحضرين ومدنيين و متطورين و متقدمين و مستشرقين. إذا فكيف يمكن إيقاف هذه المجزرة المؤلمة و الوحشية و البعيدة عن الضمير و غير المكترثة بشيء؟. و لما حصلت هذه الجريمة ولماذا هذا الصمت للانسانية؟
بالطبع، ان المسؤول الأول للمجزرة هو إدارة الانقلاب بزعامة السيسي. هذه الجريمة، ناجمة عن التسلط العسكري و النفسية الجنائية لإدارة السيسي. فقد حصلت العديد من الانقلابات العسكرية في العديد من الدول أثناء الحرب الباردة، إلا انها لم تكن بهذه الوحشية. ان قتل المدنيين العزل اللاجئين للأماكن المقدسة بالدبابات و القناصة يعتبر جريمة انسانية. فما الفرق بين هذه الجريمة المرتكبة ضد الانسانية و بين الإبادة الجماعية لهتلر أو سبل تعذيب نظام بول بوت أو مجزرة سربرينتسا التي ارتكبها ميلوسوفيتش؟ بل يمكننا القول انها فاقت الجريمة الإنسانية.
لأن المجزرة نقلت مباشرة للعالم أجمع في هذا العصر الذي تنتشر فيه وسائل الإعلام العالمية. و شاهد العالم المجزرة وكأنه يشاهد مباراة لكرة القدم. لذا فان المجزرة المصرية تعتبر أسوء من تلك المجازر التي لم تنقل مباشرة لعدم توفر هذه التقنيات آنذاك. و وافقت الدول والقوى و المنظمات و منظمات المجتمع المدني على مجزرة السيسي بصمت. و قامت الأمم المتحدة المسؤولة عن حماية الأمن و السلام الدولي بدعوة الأطراف إلى الاعتدال بعد مرور يوم عن الأحداث. و لم تبدي مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومسؤوليه و التي تعتبر نفسها حامية حقوق الانسان و الديمقراطية، أي موقف مؤثر. و لم تدلي محكمة حقوق الانسان الأوروبية التي تعتبر اللاعب الاساسي في اتفاقية حقوق الانسان، بأي تصريح حول الموضوع. حتى منظمة العفو الدولية (Amnesty International) التي تدافع عن حقوق الانسان في العالم، كانت و كأنها في سكنة الموت.
ومرة اخرى لم تنجح الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر مهد الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، وادارتها في الاختبار. الرئيس اوباما تأخر في التصريح لمدة يوم، ومع تنديده بالمجزرة، لم يبدي رد فعل ملموس ازاء السيسي والانقلابيين. في الحقيقة، ان الغاء المناورات العسكرية بين البلدين شيء مضحك وعبارة عن عجز. لن يأخذ احد بمحمل الجدية هذا التصريح الذي ادلى به اوباما بدون رغبة.
ان عدم ورود رد فعل واضح من الزعماء الغربيين والمؤسسات، يفتح الطريق امام المسائلة عن معايير الانسانية للغرب . وقبل الذهاب الى المسائلة ، ينبغي التأكيد على ان رد الفعل الاهم والاكثر صرامة جاء من تركيا. اذ ابدى رئيس الجمهورية عبدالله جول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية احمد داوداوغلو والوزراء الاخرين رد فعلهم اعتبارا من الساعات الاولى لبدء المجزرة، وبذلوا مساع حثيثة من اجل دفع المجتمع الدولي للتحرك. والمظاهرات الشعبية المناهضة للمجزرة في اسطنبول وانقرة وانتقادات الحزبين المعارضين، حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية رفعت صوت تركيا. اذ لم يرد فقط تحذير شفوي من تركيا، بل تم ايضا استدعاء السفير التركي لدى القاهرة الى تركيا.
بالطبع ، فكان من المنتظر من تركيا واللاعبين الاخرين اكثر من ذلك، يعني مبادرات ملموسة لايقاف المجزرة. اذا كان الموقف المصر الذي ابدته تركيا قد دُعم من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية ، كان من الممكن ان تكون اعداد الوفيات اقل من ذلك. اذا كان مجلس الامن الدولي قد عقد اجتماعا طارئا، واذا كانت الامم المتحدة قد وجهت تحذيرا صارما في اطار "مسؤولية الحماية"، فأن حدة عنف المجزرة كانت ستكون اخف من ذلك بكثير. اذا كانت ادارة الولايات المتحدة الامريكية قد قطعت المساعدة الخارجية التي تقدمها للجيش المصري، واذا كانت دول الاتحاد الاوروبي قد اوقفت الدعم الاقتصادي والدبلوماسي لمصر، واذا كانت منظمة التعاون الاسلامي واعضائه قد علقوا عضوية مصر بشكل عاجل، كان قد يمكن تراجع الانقلابيين .
قد لا يمكن اعتبار جميع هذه الاحداث مفاجئة. وقد لا يكون تنفيذ هذه التدابير المثالية واقعية. ولكن هناك شيء واحد حقيقي، هو ان مجزرة مصر زعزعت الانسانية المعاصرة المزمعة وقيمها . ان القيم الغربية التي تشهد تطورا منذ عصر الاستشراق تلقت ضربة كبيرة. وبعد هذه النقطة، كيف يمكن منع انتشار اراء مناهضة للولايات المتحدة الامريكية والغرب في العالم اجمع وعلى رأسه الشعب المصري؟ وكيف يمكن الحد من المسائلة عن قيم مثل الديمقراطية التي يتحدث عنها زعماء الغرب واقتصادات الاسواق وحقوق الانسان والحريات؟ كيف يمكن لادارة اوباما والدول الغربية ضمان مسيرة السلام العربية – الاسرائيلية؟ وكيف سيمكن ايقاف التيارات المناهضة لامريكا واوروبا وبالتالي لاسرائيل؟
لن يكون من السهل اصلاح الضمير العالمي بعد الشناعة التي شهدتها مصر.